atmane مشرف قسم
عدد المساهمات : 125 تاريخ التسجيل : 26/11/2010 العمر : 30 الموقع : الجزائر
| موضوع: حكم الاعتماد على الحساب الفلكي الأحد يوليو 31, 2011 1:11 pm | |
| حكم الاعتماد على الحساب الفلكي الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فقد كثر الكلام حول العمل بالحساب الفلكي في دخول شهر رمضان وخروجه وتحديد الأعياد
فرأيت إيضاح الحكم وبيانه لعامة الناس في
هذه البلاد وغيرها ، ليكونوا على
بصيرة في عبادتهم لربهم ، فأقول وبالله التوفيق :
إن الله سبحانه وتعالى علق بالهلال أحكاماً كثيرة كالصوم والحج والأعياد والعدد والإيلاء
وغيرها ؛ لأن الهلال مشهود مرئي بالأبصار
ومن أصح المعلومات ما شوهد
بالأبصار ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحكم بالهلال معلقاً
على الرؤية وحدها ؛ لأنها الأمر
الطبيعي الظاهر الذي يستطيعه عامة الناس
فلا يحصل لبس على أحد في أمر دينه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إنا أمة أمية لا
نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا )) ، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين [1]، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا تصوموا
حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ))[2].
ومن هذا يتبين أن المعول عليه في إثبات الصوم والفطر وسائر الشهور هو الرؤية
أو إكمال العدة ، ولا عبرة شرعاً بمجرد ولادة القمر في إثبات الشهر القمري
بدءاً وانتهاء بإجماع أهل العلم المعتد بهم ما لم تثبت رؤيته شرعاً . وهذا
بالنسبة لتوقيت العبادات ، ومن خالف في
ذلك من المعاصرين فمسبوق بإجماع من
قبله وقوله مردود ؛ لأنه لا كلام لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، ولا مع إجماع
السلف . أما حساب سير الشمس والقمر فلا يعتبر في هذا
المقام لما ذكرنا آنفاً ولما يأتي :
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))[3]وحصر ذلك
فيها بقوله : (( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه ))[4]وأمر
المسلمين إذا كان غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة ، ولم
يأمر بالرجوع
إلى علماء النجوم . ولو كان قولهم هو الأصل وحده ، أو أصلاً آخر مع الرؤية
في إثبات الشهر لبين ذلك . فلما لم
ذلك بل نقل ما يخالفه دل ذلك على
أنه لا اعتبار شرعاً لما سوى الرؤية ، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات
الشهر ، وأن هذا شرع مستمر
إلى يوم القيامة . قال الله تعالى : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً [5].
ودعوى
أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم ، أو غلبة الظن بوجود الهلال ، أو
إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية مردودة ؛ لأن الرؤية
في الحديث متعدية
إلى مفعول واحد فكانت بصرية لا علمية ، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية
بالعين ، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة
من غيرهم .
وجرى العمل في
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك ، لم يرجعوا إلى علماء
النجوم في التوقيت . ولا يصح أيضاً أن يقال :
إن النبي صلى الله عليه وسلم
حين قال : (( فإن غم عليكم فاقدروا له ))[6]أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته
؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية : (( فاقدروا له ثلاثين ))[7]وما في معناها .
ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب
المنازل في الصحو والغيم والحديث قيد القدر له بحالة الغيم .
ب- أن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة ؛ لأن
رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس من العامة
والخاصة في الصحاري
والبنيان بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع
مقاصد الشريعة ، لأن أغلب الأمة
لا يعرف الحساب ، ودعوى زوال وصف الأمية
بعلم النجوم عن الأمة غير مسلمة ، ولو سلمت فذلك لا يغير حكم الله ؛ لأن
التشريع عام
للأمة في جميع الأزمنة .
ج- أن علماء الأمة في صدر
الإسلام قد اجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب
فلم يعرف أن أحداً منهم رجع
إليه في ذلك عند الغيم ونحوه ، أما عند الصحو
فمن باب أولى .
د- تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد
غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية التي تختلف فيها
أنظار أهل
الحساب ، وكذا تقدير المانع ، فالاعتماد على ذلك في توقيت
العبادات لا يحقق الوحدة المنشودة .
ولهذا جاء الشرع باعتبار الرؤية فقط دون الحساب رحمة للأمة وحسماً لمادة الاختلاف ورداً لهم إلى أمر يعرفونه جميعاً أينما كانوا .
هذا وينبغي الانتباه إلى أن اختلاف المطالع من المسائل التي حصل فيها الاختلاف
بين أهل العلم ، وقد درستها هيئة كبار العلماء في إحدى
دوراتها السابقة
واتخذت قراراً بالأكثرية مضمونه : أن الأرجح قول من قال : إن لكل بلد
رؤيته وعليهم أن يرجعوا إلى علمائهم في ذلك
عملاً بما رواه مسلم في صحيحه
من حديث كريب عن ابن عباس ونصه : عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته
إلى معاوية في
الشام ، قال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان
وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة آخر الشهر
فسألني
عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت : رأيناه
ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته . فقلت : نعم ، ورآه الناس
وصاموا وصام
معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين
أو نراه ، فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية ؟
فقال : لا ، (( هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ))[8]. أ . هـ .
فأما
قول من قال إنه ينبغي أن يكون المعتبر رؤية هلال مكة خاصة ، فلا أصل له
ولا دليل عليه ، ويلزم منه أن لا يجب الصوم على من
ثبتت رؤية الهلال عندهم
من سكان جهات أخرى إذا لم ير الهلال بمكة .
وختاماً أسأل الله أن يمن
على المسلمين بالفقه في دينه والعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وأن يعيذهم من مضلات الفتن ، وأن
يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب ، وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
| |
|